نظم اتحاد أرباب العمل الموريتانيين مساء الجمعة (ليلة السبت 6 يناير 2023) مأدبة عشاء على شرف ضيوف موريتانيا الذين جاؤوا إلى بلادنا للمشاركة في حفل إعلان نواكشوط عاصمة للثقافة في العالم الإسلامي للعام 2023.
أن ينظم رجال أعمال موريتانيا حفل عشاء بهذه المناسبة، فهذا أمر جيد، ونرجو له أن يشكل بداية للتكفير عن سيئات ارتكبها رجال أعمالنا سابقا ـ وما زالوا يرتكبونها حتى اليوم ـ في حق اللغة العربية والثقافة الإسلامية.
لم يسجل في الماضي ـ حسب علمي ـ أي اهتمام لرجال أعمالنا باللغة العربية والثقافة الإسلامية، وعدم الاهتمام هذا هو ما جعلني أطرح السؤال العنوان : هل يهتم رجال أعمالنا بالثقافة الإسلامية؟
يمكنني ـ وبكل اطمئنان ـ أن أجيب على هذا السؤال إجابة مباشرة ب "لا" كبيرة، ولدي من الأدلة ما يكفي للإجابة ب "لا" كبيرة على هذا السؤال.
لا أذكر أن رجال أعمالنا تحملوا أي مسؤولية اجتماعية اتجاه اللغة الرسمية للجمهورية الإسلامية الموريتانية، ولم يحدث أن أظهروا أي اهتمام يذكر بالثقافة الإسلامية، فلا يوجد في سجل عملهم الاجتماعي أي رعاية أو دعم لأي نشاط من أنشطة اتحاد الأدباء والكتاب الموريتانيين، ولا يوجد في ذلك السجل أي دعم لأي نسخة من مهرجانات المديح، ولا لمهرجان المرأة السنونكية، ولا لتخليد اليوم العالمي لتقدير البقرة الذي يحتفل به الفلان.
لا اهتمام لرجال أعمالنا بالأنشطة الثقافية المحلية، ولا بالأنشطة الثقافية الإسلامية، ولا مشاركة لهم إطلاقا ـ وأكرر إطلاقا ـ في تخليد يوم اللغة العربية، لغة القرآن، اللغة الرسمية للجمهورية الإسلامية الموريتانية. وإذا كان رجال أعمالنا يعرفون بالبخل الشديد عندما يتعلق الأمر بالإنفاق على الأنشطة التي تهتم باللغة العربية خصوصا أو بالثقافة الإسلامية عموما، فإنهم في المقابل يعرفون بسخاء حاتمي لا يحسدون عليه عندما يتعلق الأمر بالإنفاق على الأنشطة المتعلقة بتخليد يوم اللغة الفرنسية، أو الإنفاق على أي أنشطة أخرى تهتم بالثقافة الفرنسية.
لقد عودنا رجال أعمالنا على التنافس الشديد في رعاية الأنشطة المهتمة باللغة الفرنسية أو بالثقافة الفرنسية، وعودونا في المقابل على الغياب التام عن رعاية أو دعم أي نشاط يهتم باللغة العربية أو الثقافة الإسلامية.
لقد راسلنا في الحملة الشعبية للتمكين للغة العربية وتطوير لغاتنا الوطنية في هذا العام بعض الشركات والبنوك التي تعودنا منها رعاية ودعم أسبوع لفرانكفونية في موريتانيا في أغلب نسخه، وطلبنا من تلك المؤسسات أن تدعم أسبوع اللغة العربية فلم نجد ردا إيجابيا واحدا من أي مؤسسة في القطاع الخاص من تلك المؤسسات التي راسلنا، والحقيقة أننا لم نتوقع أصلا أن يأتينا أي رد إيجابي من تلك المؤسسات، والتي كنا قد راسلناها فقط من أجل كشف حقيقة تمييزهم السلبي ضد اللغة العربية.
لا يكتفي رجال أعمالنا بعدم دعم الأنشطة التي تهتم باللغة العربية والثقافة الإسلامية، بل إنهم فوق ذلك يتمادون في تهميش هذه اللغة في مؤسساتهم وشركاتهم، وخاصة في قطاع البنوك، وذلك مع العلم بأن أغلب زبناء البنوك لا يفهمون إلا اللغة العربية، ويمكن التأكد من ذلك من خلال المقارنة بين عدد مستخدمي تطبيقات البنوك على الهواتف باللغتين العربية والفرنسية، أو من خلال المقارنة بين عدد المتفاعلين مع صفحات تلك البنوك في الفيسبوك فيما ينشر باللغتين، فنسبة المتفاعلين مع المنشورات العربية على صفحات البنوك الموريتانية تزيد على 95% من مجموع المتفاعلين، ومع ذلك فهذه البنوك تصر على أن تكون جميع وثائقها باللغة الفرنسية، والتي لا تفهمها نسبة 90% أو أكثر من مجموع الزبناء.
فلماذا تصر كل البنوك الموريتانية والعديد من الشركات في القطاع الخاص على استخدام لغة لا يفهمها أكثر من 90% من زبنائها؟
ألا تستدعي المصلحة التجارية البحتة للبنوك، ولندع جانبا أن اللغة العربية هي لغة القرآن واللغة الرسمية في هذه البلاد، لندع كل ذلك جانبا، ولنتحدث فقط بمنطق المصلحة التجارية للبنوك، ألا تستدعي المصلحة التجارية للبنوك الموريتانية أن تكون لغة التعامل مع الزبناء هي تلك اللغة التي يفهمها أكثر من 90% من زبناء البنوك؟
على رجال أعمالنا أن يعلموا بأن إقامة مأدبة عشاء لضيوف موريتانيا بمناسبة الإعلان عن نواكشوط عاصمة للثقافة في العالم الإسلامي للعام 2023 لا يكفي لوحده لتأكيد اهتمامهم بالثقافة الإسلامية. إن تأكيد اهتمامهم بالثقافة الإسلامية وباللغة العربية التي هي وعاء تلك الثقافة يحتاج إلى شرطين أساسيين: أولهما أن يفرضوا استخدام اللغة العربية في مؤسساتهم، وثانيهما أن يخصصوا نسبة حتى ولو كانت قليلة مما ينفقون دعما ورعاية للأنشطة المخلدة لأسبوع اللغة الفرنسية ولمختلف الأنشطة ذات الصلة بالثقافة الفرنسية، أن يخصصوا تلك النسبة لدعم الأنشطة المخلدة لأسبوع اللغة العربية، ولكل الأنشطة الأخرى ذات الصلة بالثقافة الإسلامية.
واختم بهذا الدعاء: اللهم انزع من قلوب رجال أعمالنا حب اللغة الفرنسية والإعجاب بالثقافة الفرنسية، وحبب إليهم بدلا من ذلك اللغة العربية وكل ما له صلة بالثقافة الإسلامية.
حفظ الله موريتانيا...
محمد الأمين الفاضل