في تصعيد جديد للحرب التكنولوجية بين الولايات المتحدة والصين، لم يصمد إعلان الرئيس الأميركي عن فرض رسوم على مبيعات الرقائق للصين أكثر من 48 ساعة، حتى جاء الرد الصيني عبر خطوة وصفتها فاينانشال تايمز ووكالات اقتصادية بأنها “ضربة بيروقراطية قادرة على تقويض أي استفادة تجارية أميركية من القرار”.
فبينما روّجت واشنطن لقرارها الأخير بالسماح المشروط لشركة NVIDIA بتصدير شريحة H200 إلى الصين مقابل رسوم 25%، سارعت بكين إلى وضع ترتيبات داخلية تجعل من عملية الشراء أكثر تعقيدًا وأقل جدوى للشركات الصينية.
أولًا: قرار ترمب… فتح مشروط لا يُرضي الصين ولا مجتمع التكنولوجيا الأميركي
في 8 ديسمبر 2025، أعلن الرئيس الأميركي السماح بتصدير شريحة H200 للصين، بعد أشهر من القيود الصارمة التي شملت تقنيات الذكاء الاصطناعي ومعالجات الحوسبة المتقدمة.
ورغم أن القرار لم يشمل الجيل الأحدث من رقائق “بلاكويل” و”روبين”، فقد اعتبرته واشنطن خطوة نحو:
- حماية “الأمن القومي”،
- توفير فرص عمل عبر رسوم تصل إلى 25%،
- واسترجاع جزء من سوق ضخم فقدته الشركات الأميركية بسبب القيود السابقة.
غير أن تقديرات السوق تشير إلى أن العائدات المتوقعة — والتي قدّرها محللون بنحو 12 مليار دولار سنويًا في حال عودة الصادرات— أصبحت الآن رهينة ردّ الفعل الصيني.
ثانيًا: الرد الصيني… رقابة صارمة وتشجيع مباشر للمنتجات المحلية
بحسب تسريبات وتقارير اقتصادية اطلعت عليها فاينانشال تايمز، تعمل بكين على بناء نظام موافقة بيروقراطي يمنع أي شركة صينية من شراء الرقائق الأميركية المتقدمة ما لم تثبت — عبر ملف تقني مفصل — أن الرقائق المحلية كـ Huawei Ascend غير قادرة على أداء المهمة المطلوبة.
هذا يعني عمليًا:
- عرقلة شبه كاملة للطلب على الرقائق الأميركية.
- تعزيز التفوق الصناعي المحلي عبر إعطاء الشركات الصينية الحافز لاستخدام بدائل وطنية.
- تحويل الضغط الأميركي إلى قوة دفع إضافية لقطاع أشباه الموصلات الصيني.
ويشير خبراء إلى أنّ هذه السياسة سبق وأن نجحت مع شريحة H20 الأميركية التي وُضعت على الرف في الصين رغم توفرها في السوق—فلم تُسجّل أي مبيعات تُذكر.
ثالثًا: هواوي في الواجهة… والتصنيع المحلي يسدّ الفجوات
ردّ الصين لم يكن دفاعيًا فقط، بل جاء أيضًا متزامنًا مع:
- إطلاق هواوي دفعات محسّنة من معالجات Ascend،
- توسّع في البنية التحتية للحوسبة الفائقة،
- دعم حكومي مباشر للصناعات الحساسة،
- وتوجيه مؤسسات الدولة لاستخدام المعالجات الوطنية.
وتقول بكين إن 2025 سيكون عامًا “حاسِمًا” في مسار السيادة التكنولوجية، مؤكدة أن الاعتماد على الرقائق الأميركية سيتراجع بصورة غير مسبوقة.
رابعًا: تأثيرات اقتصادية مباشرة على الولايات المتحدة
مع القيود الصينية الجديدة، يتعرض قرار ترمب إلى ما يشبه “الفراغ العملي”:
- رسوم الـ 25% تصبح بلا جدوى إذا لم يشترِ الصينيون المنتج أساسًا.
- الشركات الأميركية قد تخسر سوقًا كان يشكل 30–40% من مبيعاتها.
- القطاع التقني الأميركي يفقد ورقة ضغط أساسية في التفاوض مع الصين.
- الأسواق المالية تتذبذب مع صعود وهبوط أسهم NVIDIA تبعًا للتسريبات.
باختصار:
الضريبة تفترض وجود مشترٍ—والصين تعمل على ضمان غياب هذا المشتري.
خامسًا: نحو خريطة تكنولوجية عالمية جديدة
الخطوة الصينية الأخيرة تعكس مسارًا استراتيجيًا يتكرر منذ 2019:
- الولايات المتحدة تُصعّد عبر الحظر والرسوم،
- الصين ترد بالتسريع في الاكتفاء الذاتي،
- الشركات العالمية تجد نفسها عالقة بين قوتين اقتصاديتين تتنازعان على قيادة الذكاء الاصطناعي.
وبينما تؤكد واشنطن أن قرارها الأخير يهدف لحماية أمنها القومي، ترى بكين أنه محاولة لإبطاء نموها الاقتصادي، وتؤكد — عبر إجراءاتها — أن “حرب الرقائق” لم تعد معركة تجارية فقط، بل مواجهة وجودية في عصر الذكاء الاصطناعي.
