تضمن تقرير محكمة الحساب الذي صدر مؤخرًا استعراضًا لاستغلال المال العام، حيث أظهر اختفاء أموال بين بنود غير واضحة، وتوقف مشاريع عند مرحلة الوعود، وهدر مليارات في مؤسسات رسمية لا تزال تعييناتها وترقياتها مستمرة، على الرغم من وجود الأفراد المتورطين في مناصب عليا.
واستعرض التقرير اختلالات كبيرة شملت 44 قطاعًا أو مؤسسة حكومية، بما فيها وزارات النفط والطاقة والمعادن والصحة، بالإضافة إلى الشركة الموريتانية للكهرباء، وصندوق كورونا، والموريتانية للطيران، ومديرية مشاريع التهذيب.
تجدر الإشارة إلى أن التقرير لم يشمل السنة الجارية أو السابقة، الأمر الذي أثار ردود فعل نقدية من قبل العديد، ورغم ذلك، دعت موجة غضب كبيرة على منصات التواصل الاجتماعي إلى محاسبة المتورطين.
تلك هي خلاصة تقرير محكمة الحسابات الذي صدر قبل يومين، والذي يمثل محضر اعتراف جماعي يُظهر بلغة الأرقام فصولًا من العبث بالمال العام، في ظل صمت مطبق من الهيئات الحكومية المعنية.
اختلالات في تسيير صندوق كورونا
كشف التقرير عن وجود اختلالات متعددة في إدارة “الصندوق الخاص للتضامن الاجتماعي ومكافحة فيروس كورونا” الذي أُنشئ بموجب المرسوم رقم: 051 – 2020 في 06 – 04 – 2020.
أشار التقرير إلى أن إجمالي المداخيل التراكمية للصندوق بلغ 105.861.600.560 أوقية قديمة بحلول إبريل 2022، وفقًا للتقارير الدورية الصادرة عن وزارة المالية بشأنه.
تحويلات مالية بعشرات الملايين
رصد التقرير قيام وزارة الصحة بتحويل 100 مليون أوقية قديمة من صندوق كورونا لبعض المستشفيات لدعم وحدات التلقيح، فيما أكدت المحكمة أن بعثاتها لم تتوصل بما يبرر تمويل هذه الأنشطة من موارد الصندوق.
وذكرت المحكمة أن المسير اعتمد على مقرر من وزير المالية، الذي يرأس لجنة تسيير الصندوق، إلا أن هذا المقرر لم يتضمن دعم وحدات التلقيح، بل كان موجهًا لمساعدة لجان التكفل بكوفيد 19.
اختلالات مالية كبيرة
لاحظت المحكمة خلال مراجعتها لوزارة الصحة عدم تطابق صرف النفقات مع الأهداف المحددة، وسجلت اختلالات مالية كبيرة شملت الميزانية والصفقات العمومية وغيرها.
صفقات بالتفاهم دون توفر الشروط القانونية
أكدت المحكمة أنها رصدت إبرام عدد من الصفقات بالتفاهم المباشر من دون استيفاء الشروط القانونية، مما يُعد خرقًا لقواعد إبرام الصفقات العامة.
وأوضحت اللجنة أنها لاحظت اختلالات في برنامج أولوياتي الموسع، بما يتعلق بالمجانية للإخلاء الطبي، حيث سجلت العجز في تغطية تكاليف المجانيات التي كان يجب أن تقدم.
كما شملت الاختلالات قطاع التهذيب، حيث رصدت محكمة الحسابات اكتتابات غير قانونية قامت بها مديرية مشاريع التهذيب، ومنح صفقات غير مخولة.
وأشار التقرير إلى غموض الوضع القانوني للمديرية، التي تتمتع باستقلالية كبيرة رغم عدم تخويلها صفة مؤسسة عمومية.
أفاد التقرير أن 85% من نفقات قطاع المحروقات كانت مخصصة لعلاوات شهرية استثنائية، مبرزًا وجود اختلالات مالية وإدارية كبيرة في حساب دعم القطاع.
ورغم أن تقرير محكمة الحسابات لم يترك مجالًا للشك، وكشف النقاب عن تجاوزات جسيمة، إلا أنه لم تُرصد أي تحركات رسمية لمحاسبة المعنيين. فهل سيكون هذا التقرير بداية جديدة لمكافحة الفساد، أم أنه مجرد سحابة عابرة؟
